طغت السذاجة على البعض حتى ظنوا أن صدق الإخلاص للإسلام كاف لأن ينافح المرء عن دينه ويدعو إليه دون خلفية علمية تمكنه من ذلك . وتحت ستار ( مصلحة الدعوة ) حدثت تجاوزات وتساهلات شوهت الدعوة ولقد أجمع العقلاء فى كل عصر ومصر على أنه من عمل عملا بغير علم فإنه يفسد أكثر مما يصلح قال تعالى ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ) يوسف 108 [ فالبصيرة من أهم أسس الدعوة إلى الله لأن الدعوة بالجهل تضر أكثر مما تنفع , والبصيرة للقلب كالبصر بالنسبة للعين وبالبصيرة يفرق المؤمن بين الحق والباطل والسنة والبدعة والمصلحة والمفسدة ومقام الدعوة مقام خطر تزل فيه أقدام ويضل فيه أقوام والانحراف فيه يمتد خطره أجيالا ويتحمل صاحبه أوزارا ولذا كان تحصيل البصيرة من الفرائض على كل أحد وعلى الدعاة إلى الله خصوصا ] ( 4)
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله يقول : ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ) متفق عليه .وقد كان السلف رضى الله عنهم أبر الناس قلوبا وأوسعهم حلما وأغزرهم علما وما كان أحدهم يستحي أن يقول لما لا يعلمه لا أعلمه ولا لما يدريه لا أدريه قال الإمام مالك رحمه الله: لأن يعيش الرجل جاهلا خير من أن يقول على الله ما لا يعلم , وعن عبد الرحمن بن مهدي قال : كنا عند مالك بن أنس فجاءه رجل فقال : يا أبا عبد الله جئتك من مسيرة ستة أشهر حملني أهل بلدي مسألة أسألك عنها قال سل فسأله الرجل عن المسألة فقال لا أحسنها قال فبهت الرجل كأنه قد جاء إلى من يعلم كل شيء فقال أي شئ أقول لأهل بلدي إذا رجعت إليهم ؟ قال تقول لهم قال مالك:لا أحسن
وما زال الناس يبتلون بهذا الطراز النكد من المتعالمين قديما وحديثا فيروى أن رجلا كان يفتى كل سائل دون توقف فلحظ أقرانه ذلك منه فأجمعوا أمرهم لامتحانه بنحت كلمه ليس لها أصل هي ( الخنفشار ) فسألوه عنها فأجاب على البديهة بأنه نبت طيب الرائحة ينبت بأطراف اليمن إذا أكلته الإبل عقد لبنها
قال شاعر هم اليماني
لقد عقدت محبتكم فؤادي كما عقد الحليب الخنفشار
وقال داود الأنطاكي في ( تذكرته ) كذا وقال فلان وفلان ……وقال النبي فاستوقفوه وقالوا : كذبت على هؤلاء فلا تكذب على النبي وتحقق لديهم أن المسكين جراب كذب
أما اليوم فلقد صارت قضية التعالم داء عضال في جسد الدعوة الإسلامية ومرجع ذلك حب الدنيا و حب الرياسة فيها حتى أصبح المتعالم لا يلوى على شئ كي يشار إليه بالبنان فاليوم فقيها لا تعجزه فتوى وغدا مفسرا قد أحاط بكتاب ربنا علما وبعد غد محدثا محققا إلى آخر هذا العبث والكذب والاختلاق والجهل المزمن الذي ليس من الدين في شئ بل هو من أمارات الساعة فعن أبى أمية الجمحي رضي الله عنه أن رسول الله قال ( من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر ) رواه الطبراني وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم من أكابرهم فإذا أخذوه من أصاغرهم وشرارهم هلكوا وقال بشر الحافي : من أحب أن يسأل فليس بأهل أن يسأل . ودخل رجل على ربيعة فوجده يبكى فقال ما يبكيك ؟ أمصيبة دخلت عليك ؟ وارتاع لبكائه فقال : لا ولكن استفتي من لا علم له وظهر في الإسلام أمر عظيم . فكيف لو رأى زماننا ؟!